أحداث شاهدناها من هنا

فاردي كهانا, أمينة إفادة محلية
 
استمرت حرب صيف 2014 شهرين ونصف. كشفت وسائل الإعلام، بمختلف انواعها، المشاهد المروعة: الأمهات الثلاث يصلّين من أجل سلامة ابناءهن المختطفين، ثلاثة أسابيع من البحث، جنازة الشبان المشتركة، الانتقام الذي انتهى بمقتل فتى من شعفاط على ايدي يهود، أعمال الشغب التي جاءت ردا على ذلك في شرق القدس, آلاف الصواريخ التي أطلقت من غزة، الآباء الذين استلقوا في وسط الشارع فوق أطفالهم لحمايتهم من الصواريخ، صور جوية لأهداف قصفت، ودخول القوات البرية، بالسير على الاقدام، الى الداخل، الى الجبهة.
 
وبعد كل هذا، اتت صور الجنازات العسكرية الواحدة تلو الأخرى، ومعها صفحات الأخبار الممتلئة بمشهد ثابت ومألوف: صورة رأس شاب مبتسم بأسنان بيضاء، ومئات من الكلمات التي تحاول تلخيص عالمه.
 
67 جنازة عسكرية وخمس جنازات مدنية. اجتمعنا جميعنا في حدادنا.
 
وصلت الصور المروعة من غزة متأخرة، على مراحل وعن طريق الصحافة الأجنبية. منع الجيش الاسرائيلي وسائل الاعلام الاسرائيلية من الدخول الى الجبهة، وهي، من جهتها، وقفت الى جانب الاعلام الوطني.
 
بالمقابل، وجّه المتحدث باسم حماس المصورين الأجانب في غزة لصالحه. تم الكشف عن قاذفات الصواريخ التي نُصبت بين المنازل فقط بعد عودة الصحفيين إلى اوطانهم، ومن بين عشرات الصور من القتلى والجرحى لم نجد بينها مقاتل واحد من حماس. جميعهم من المدنيين...
 
هكذا أصبحنا عاجزين امام مشاهد الاغتيالات، التي تتردد على الشاشة من خلال الأفلام القصيرة بالأسود والأبيض كأنها ألعاب الكمبيوتر، وتحجّرت قلوبنا من صور غرف الموتى المزدحمة في غزة، ومن دمار أحياء كاملة ونزوح الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم.
 
لا يملك الاعلام الصبر كالباحث المختص في الحضارات. يقوم الباحث بدراسة سلسلة الأحداث من منظور زمني ويحاول تحديد أنظمة السلطة واتباعها من صانعي الوعي. الصحافة هي فورية في جوهرها. ان الزمن المعاصر متعدد المجالات والشبكات الحديثة المتعلقة بنشر المعلومات غ وّريا كليا قواعد اللعبة وساهموا في تقصير زمن رد الفعل على ما يحدث.
 
أصبحت وسائل الإعلام سريعة وتفتقر الى التوازن، وبالتالي فهي بضعفها عُرضة للتلاعب من قبل المتحدث الذي يسيطر على المكان، سواء كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي او المتحدث باسم حماس.
 
إن لم يكن مستهلك وسائل الإعلام ساذجا سيشكك في كل شيء.